التطور
Apr 03, 2019اتفرجت على فيلم وثائقي عن الإنسان الأول ومراحل تطوره من ملايين السنين إلى أن وصل للعصر الحالي، والفيلم ممتع جدا ومعمول بإتقان وحرفية أكد لي ووضحت لي المصدر الرئيسي لكل المخاوف والمعاناة والرغبات الموجودة عندنا لحد دلوقتي.
الإنسان في العصور القديمة كان عايش فوق الشجر وفي الكهوف وكل لحظة حياته تحت التهديد بطرق مختلفة: إما إن حيوان ييجي يفترسه في أي لحظة ويخلص كل حاجة، وإما إنه ميلاقيش ما يكفي من الغذاء ويموت من الجوع، وإما إنه ميلاقيش فرصة للتناسل والحفاظ على بقاء نوعه. وعشان كده الإنسان في العصور المعروفة علميا بالنسبة لنا تقريبا عمره ما شاف أمان وسلام بشكل كامل. حياته كانت دايما تحت التهديد بسبب خطر من الـ 3، والمخاوف دي كانت أقوى محرك ليه إنه يطور من قدراته ويخترع أسلحة وأدوات للصيد ويبني مأوى لنفسه يحتمي بيه من تقلبات الطبيعة وطرق مختلفة لتخزين غذائه ... إلخ. إلى أن وصلنا للعصر الحالي بكل أشكال التطور التكنولوجي الـ شايفينها.
الدافع في الأصل كان الحفاظ على الأمان وضمان البقاء، لكن مع الوقت الموضوع بدأ يتحول للراحة والأنتخة! طيب أديني أمنت بقائي ليه ميبقاش في شوية رفاهية ومزيكا وفن ودلع؟ ليه أمشي لما ممكن أركب عربية؟ ليه أركب عربية لما ممكن أطير؟؟ ليه أبعت رسالة بالحمام الزاجل لما ممكن أبعتها بالواتس؟ وكل ده تطور طبيعي يحصل بعد تلبية الاحتياجات الأساسية.
ولكن الغريب والملفت في الموضوع ... إننا نستخدم قدراتنا عشان نخترع أسلحة ندمر بيها نفسنا! ونستخدم ذكائنا عشان نسرق وننصب على بعض بشتى الطرق رغم إن الأرض بها ما يكفي من موارد تكفي البشرية كلها وتفيض أضعاف لو اتوزعت صح!
فواضح كده اننا تطورنا بشكل كبير في جوانب كتير ... لكن المخاوف الأساسية موجودة زي ما هي! العصر الـ احنا فيه احصائيا هو أكتر عصر فيه سلام مقارنة بكل العصور المعروفة تاريخيا، مع ذلك معظم الناس عايشة في توتر وجري وعدم ارتياح والمخاوف هي ال بتحركها عشان تشتغل وتتجوز وتخلف وتيجي على نفسها ونبدأ نخترع مشاكل ملهاش وجود! وناس عندها كل حاجة جميلة ومتاحة مع ذلك تعبانين نفسيا.
احنا تطورنا بالفعل يا أصدقائي على الجانب العقلي بشكل هائل ولا زلنا نتطور، لكن واضح اننا على الجانب النفسي لا زلنا بدائيين! لا زلنا نعيش بعقلية الإنسان البدائي الـ خايف أي حيوان يهجم عليه ومتوجس باستمرار من المخاطر "الـ ملهاش وجود حقيقي" لكننا لا زلنا عايشين فيها ومن خلالها. الغذاء متاح بيسر وتقدر تطلب دليفري ... لكننا بناكل أكتر من احتياجنا كأننا خايفين منلاقيش ناكل ودايما عايزين نملا نفسنا. ولما الدنيا تبتدي تكون سلسلة ومتيسرة تلاقي الواحد بدأ يقول "خير اللهم اجعل خير" كأنه لم يعتاد انه يعيش كده مبسوط وأكيد في أسد هيطلع من تحت الأرض ياكله، ولو مفيش أسد طلع هيبتدي هو بنفسه "يعكنن" ع الناس التانية بطريقة أو بأخرى.
المرحلة الحالية في تطور الوعي البشري هي ادراك اننا ممكن نعيش بطريقة تانية غير الخوف، وإدراك إننا تعلمنا ما يكفي من خبرات الإنسان البدائي ومخاوفه لكننا نستطيع الآن أن نعيش ببهجة وحب، وإننا نستحق ونقدر نحقق كل رغباتنا بسلاسة من غير ما يكون في أسد مستنيك. والأهم من كل ده إدراك حقيقتك الأبدية ما وراء العقل والجسد والأشياء المادية ... وده الـ بيخليك تعيش في سلام حقيقي وتستمتع بالعالم المادي من غير ما تاخده بجدية.
هل مطلوب ان كل البشر يفكروا كده؟
وازاي هقنع الناس ال حوليا بده وأخليهم يعملوا كده؟
مش مطلوب غير منك انت انك تبدأ تغير نظرتك وتعيش حياتك اليومية بالطريقة الـ تريحك، وتدريجيا هيكون هو ده الواقع بتاعك، وتقدر تشارك الواقع ده مع الناس المستعدة تسمعك والـ عندهم نفس الرغبة. غير كده تقبل الناس المختلفة عنك لأنك مش هتقدر تغيرهم ولازم هيمروا بتجارب معينة عشان يتعلموا. وتأكد إن محدش يقدر يؤثر فيك سلبا من غير ما انت تسمحله ... وتأكد إن حياتك كلها والواقع بتاعك انت بتشكله كل لحظة بأفكارك وسلوكياتك ومشاعرك