جسد الألم
Apr 27, 2019جسد الألم
التعريف:
جسد الألم -بالإنجليزية pain body- هو مصطلح استخدمه إيكار تول في كتابه "قوة الآن". الكلمة بالعربية تبدو سخيفة لكن هحاول أشرح المقصود منها قدر الإمكان لأنه من أكثر المفاهيم المؤثرة في وعيي إلى الآن.
جسد الألم هو مجموع المشاعر المؤلمة المتراكمة بداخل كل شخص منا، نتيجة لمعتقدات وأفكار تبرمجنا عليها من الأهل والمجتمع، أو مشاعر ورثناها من الآباء أو مواقف سلبية مررنا بها. جسد الألم هو كيان طاقي غير مرئي كل مهمته جمع أكبر قدر من الطاقة البشرية، فطاقة البشر هي غذائه الوحيد، وكلما سيطر على طاقتك واستنزفها كلما ازداد شعورك بالألم.
كيف ينشأ؟
ينشأ جسد الألم في الأصل من فكرة معينة، وهي فكرة سلبية غير حقيقية تكون نابعة من طاقة خوف، في الغالب يكون فيها حكم مسبق عن نفسك أو عن الحياة أو عن مجموعة معينة من الناس. مثال: كل الرجال خائنون - كل الستات نكديين كل الأغنياء لصوص - أنا لا أستحق الحب - الحياة صعبة - السعادة لا تدوم ... إلخ. تتبرمج بداخلنا تلك الأفكار وغيرها بشكل مباشر من خلال التكرار المستمر، وتتبرمج بشكل غير مباشر من خلال المواقف. مثلا طفلة صغيرة عبرت عن نفسها بشكل تلقائي فقالت كلام لا يصح بالنسبة للكبار فواجهوها بالسب أو الضرب وقال لها أحدهم "هذا الكلام حرام! "فتحدث لها صدمة، وتتبرمج لديها معتقدات مثل "أنا فتاة سيئة - لا يصح أن أعبر عن مشاعري - إذا تكلمت سوف أكون مذنبة". وبسبب تلك الأفكار وهذا الموقف تراكمت بداخلها مشاعر مكبوتة (جسد الألم) وأصبحت جزء من جسمها تحملها معها أينما تذهب وتسقطها على نفسها وكل من حولها باستمرار. حتى لو مرت عشرات السنوات وهي لم تعالج مشاعرها، وحتى لو نسيت الموقف تماما من العقل الواعي إلا أنها سوف تستمر في الإسقاط، وسوف يستمر جسد الألم في التغذي على المواقف المشابهة ليحافظ على بقائه وينمو حتى أنه قد يتطور ليصيبها بالأمراض الجسدية!
كيف يعمل؟
يظل جسد الألم موجودا في الخلفية في وضعية الخمول، حتى يشاهد موقفا ما يثيره فينفجر! يبدأ في استرجاع وتكرار نفس الأفكار والمعتقدات القديمة ليعزز وجوده وسيطرته على طاقة الشخص، وقد يتطور إلى صراع وعراك مع كل من حوله من أحداث وأشخاص وأشياء، وبهذا يتغذى جسد الألم وينبسط ويعود لوضعية الخمول في انتظار المحفز التالي، بينما أنت المسكين وجبته الرئيسية تشعر بالأسى والمعاناة
التقنية الرئيسية التي يستخدمها جسد الألم هي التماهي مع الجسد والعقل؛ التماهي مع الجسد أي السيطرة على مشاعرك بالكامل ويسكن جسدك على شكل مشاعر مؤلمة (خوف - توتر- غضب - ذنب ... إلخ) حتى تعتقد أن تلك المشاعر هي جزء لا يتجزأ منك، وتبدأ بالتصرف من خلالها. أما التماهي مع العقل من خلال الصوت المزعج المتكلم بداخل عقلك، الذي يؤنبك ويخيفك باستمرار على كل شيء وأي شيء، والصور المخيفة التي يجلبها لك من الماضي أو احتمال حدوث أشياء مخيفة في المستقبل ويكررها لك مرارا وتكرارا حتى تبدأ بالتصرف بناء على تلك الصور والأصوات فتستمر في دائرة المعاناة ويستمر هو في التغذي.
يجب أن تستوعب جيدا أن جسد الألم ليس أنت! هو ليس سوى مجموعة مشاعر وأفكار متهالكة وغير منطقية لكنها فرضت سيطرتها على كيانك، بعد أن سمحت لها بذلك دون وعي منك، فاقتنعت تماما أنها أنت وبدأت تتماهى معها وتعيش من خلالها واعتدت على ذلك حتى أنك قد تنفي وجود أي رؤية أخرى للحياة لا تناسب جسد الألم المسيطر عليك. وأول خطوة للتحرر منه هي معرفة أن جسد الألم ليس له أي علاقة شخصية بك، هو ليس ملكك وأنت لست ملكه! هو ليس سوى كيان طاقي يريد التغذي على أكبر قدر من طاقة البشر من خلال الألم، وهو يستخدم نفس التقنيات والأفكار والمشاعر الموروثة في الوعي العام للبشرية منذ ملايين السنين، لكنه يلبسها بصور وأشكال مختلفة كل مرة مع كل شخص حتى تستطيع تصديقه وتتفاعل معه.
غذاءه:
إلى جانب الأفكار والمشاعر المذكورة سابقا، جسد الألم يتغذى على مقاومتك له. وتلك هي الخدعة الكبرى؛ كلما زادت كراهيتك ورغبتك في التخلص منه، كلما زاد تركيزك عليه وزادت سيطرته عليك. لا زلنا نقيم حملات ونردد شعارات للتخلص من التدخين أو محاربة التحرش وإنقاص الوزن ومحاربة الإرهاب! لا زلنا لا ندرك أن أي شيء تقاومه يزداد ويكبر مهما كانت نيتك حسنة. إذا قلت لك ببساطة "لا تفكر في التدخين" في الغالب أول ما سيخطر ببالك صورة سيجارة أو شخص يدخن أو رائحة السجائر. إذا قلت لك لا تفكر بالإرهاب في الغالب قد رأيت بعقلك صورة دماء وأعمال إرهابية، لأن العقل اللا واعي ببساطة لا يفهم النفي وأي شيء ترفضه وتقاومه سوف يزداد ويستنزف من طاقتك.
كذلك الغذاء الغير الصحي والخمول الجسدي والجلوس لفترات طويلة في أماكن مغلقة أو ملوثة أو غير نظيفة، كل ذلك من محفزات جسد الألم. الألم ببساطة هو طاقة راكدة ومكبوتة ويتغذى على كل شيء راكد وغير مستخدم، على مستوى المادة أو العقل أو المشاعر.
كيف تتعامل معه؟
1- تقبل: أول طريق التعامل مع جسد الألم هو تقبله والإعتراف بوجوده، تذكر أن كل إنكار ومقاومة لن تزيده إلا قوة. تقبل أن جسد الألم موجود بالفعل وربما يكون مسيطر على جزء من طاقتك.
2- لاحظ: جسد الألم ينمو في الظلام ولا يطيق النور. إذا قلنا أن الظلام هو الجهل والخوف والإنكار، فالنور هو الوعي والملاحظة المستمرة لأفكارك ومشاعرك وردود أفعالك. إذا أنت مراقب باستمرار للصوت المتكلم بداخلك والصور التي في عقلك والمشاعر التي في جسدك، من الذي سيغضب ويثور؟ من الذي سيكرر نفس الأفكار ليحصل على نفس مشاعر الألم؟ جسد الألم هو حالة من اللا وعي المحض، إذا انت واعي وملاحظ ما بداخلك جسد الألم يهرب فورا ويتبخر! فإذا أضئت النور يستحيل أن يتواجد الظلام. بهذه البساطة، لكن الأمر يحتاج إلى كثير من الملاحظة والتدريب. في المرة القادمة قبل أن تتسرع وتقم بنفس رد الفعل الأحمق، تمهل قليلا ووتنفس ... ولاحظ جسدك ... لاحظ مكان الألم في جسدك ... لاحظ العضلات المشدودة وتنفس من خلالها ... ثم اسأل نفسك بحيادية ... هل هذا هو التصرف المناسب الآن؟ هل فعلا الموضوع يستحق؟ هل فعلا أريد فعل ذلك؟ لماذا أريد أن أغضب أو أخاف أو أقلق الآن؟
في بداية التدريب تدرك حماقتك بعد انتهاء الموقف "أنا ايه الـ عملته ده؟!" ثم تصبح واعيا ومدركا لكل شيء أثناء الموقف "انت مصدق نفسك؟ أنا فعلا بعمل كده؟" وبعد ذلك تصبح يقظا قبل أن تقوم بتصرف ما غير واعي وتختار أن تهدأ وتقوم بالتصرف المناسب أو تتجاوز عن الأمر كليا بارتياح، ومع التدريب والملاحظة المستمرة يصبح "الوعي" هو الطبيعي ولن تخطر ببالك أصلا فكرة حمقاء أو شعور غير مرغوب.
3- مارس: رغم كل ما ذكرناه، لا تعطي الجسد الألم اهتماما أكبر من حجمه ولا تجعله محور حياتك وإلا وقعت في فخ "المقاومة". تذكر أن جسد الألم ليس إلا حالة من غياب الوعي، ومع الممارسة اليومية لعادات واعية وإيجابية وصحية، يتبخر جسد الألم ويتحلل بفعل نور الوعي. ممارسة التأمل والرياضة وتناول الغذاء الصحي والتواجد في الطبيعة ومع أصدقاء إيجابيين في طاقة حب، والتنظيم العام لحياتك والتركيز على ما تريد والتدريب على الحضور باستمرار في اللحظة الحاضرة، كلها أشياء لا يتحملها جسد الألم.
جسد الألم وقود الوعي!
"الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم ولكن تتحول من صورة لأخرى". ماذا يحدث للطاقة المكبوتة في جسد الألم عندما تصبح واعيا؟ أين تذهب تلك الطاقة؟ نعم! إن جسد الألم هو وقود للوعي، و مع الملاحظة المستمرة لجسد الألم وجلبه من الظلام إلى النور، يتحول هو بذاته إلى نور! يتحول الألم إلى تدفق ونعيم وسلام، يتحول اللاوعي إلى وعي وسكون. وهنا يعمل السحر. لذلك إذا وجدت نفسك تقاوم جسد الألم بعنف وتحاول التخلص منه، تذكر أنك تقاوم النور أيضا! تقبل - لاحظ ومارس. تذكر أن طريق الوعي أبدي لا ينتهي، وبالممارسات الواعية أنت لا تذهب إلى أي مكان، لكنك ببساطة تعود لتدرك حقيقتك الجوهرية، التي هي الوعي والنور. فلا تستعجل النتائج واستمتع بالخطوة الحاضرة، لأنها كل ما تملك ...
دمتم في وعي ومحبة وسلام
رسم الفنانة Nour Ahmed مع التعديل